بيان آداب المُريد مع شيخهِ


بيان آداب المُريد مع شيخهِ
=============================

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .

اللهم خلِّقْنا بالأخلاق المحمدية الشريفة، وجَمِّلْنا بالآداب المصطفوية المنيفة، وكملنا بالآداب النبوية الرفيعة، والفضائل النورانية الوسيعة، اللهم جَمِّلْنا بالعلم، وسَهِّلْ أخلاقنا بالحلم، وأخرجنا من ظلمات الوهم، واشرح صدورنا بالفهم، واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وكن لنا وليًّا، وبنا حفيًّا .

قال أهل العلم : ما من صاحب يصحب صاحباً ولو ساعة من نهار إلا ويُسأل عن صحبته هل أقام فيها حق الله تعالى أو أضاعه ؟ .

أعلم أخي وفقك الله أن الطريق كلها أدب لكل حال أدب ولكل مقام أدب ولا يمكن أن نحصر آداب المُريد مع شيخهِ كلها .


ان غاية المُريد هو الاجتماع بشيخ عارف يربيه ويرشده الى الطريق القويم الى الله تعالى ويحذره من آفات الدنيا وهوى النفس وغواية الشيطان وان يعتقد ان ليس في تلك الديار اولى منه فالشيخ استاذه ويأخذه عنه طريقته درجة درجة ومقاماً مقاماً .

واعلم يا أخي ان عمدة الأدب مع الشيخ , هو المحبة له , فمن لم يبالغ في محبة شيخه بحيث يؤثره على نفسه لا يفلح في الطريق لان محبة الشيخ انما هي مرتبة يترقى منها المُريد الى مرتبة محبة النبي محمد صلَّ الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ومنهى الى مرتبة محبة الحق جل وعلا .

وكان ابو علي الدقاق رحمة الله تعالى يقول : اذا لم يكن للمُريد استاذ يأخذ منه الطريق نفساً بنفس وإلا فهو عابد لهواه وأجمعوا على انه من لم يتب على يد شيخه من جميع الزلات سرها وجهرها صغيرها وكبيرها ويرضي جميع خصومه لا يفتح له من هذا الطريق شيء فان طريق القوم كلها حضره مع الله تعالى .

الأدب جوهرة تكمن في حُسن المعاملة مع الله تعالى سراً وعلانية في الصدق في القول والفعل مبني على معاملة القلب وحفظ السر وهذهِ بعض آداب المريد مع شيخه كما يلي : 

1- يجب على المُريد ان يصحح عهده بينه وبين الله تعالى ان لا يخالف شيخه في كل ما يشير به عليه فان الخلاف للمُريد ضرر عظيم ومن ابتداء الطريق على مخالفة شيخه لم يزل يخالفه في مستقبل الزمان فيجب عليه عدم الاعتراض على شيخه بقلبه وان استعمله بأي نوع من الاعمال .
2- يجب على المُريد أن لا يكتم شيئاً من احواله الظاهرة والباطنة عن شيخه حتى الخواطر التي استقرت عنده ومتى كتم عن شيخه شيئا عن شيخه فقد خانه في الصحبة وكان عليه تجديد الصحبة .
3- عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربيته لأن هذا من شأنه أن يضعف ثقته في شيخه ويحجب عنه خيرا كثيرا ويقطع المدد الروحي بينه وبين شيخه. ولقصة سيدنا موسى مع العبد الصالح أكثر من دلالة في هذا المجال.
4- أن يعتقد كمال شيخه وتمام أهليته للتربية والإرشاد حتى لا ينصرف قلبه إلى غيره ويتشتت توجهه فيكون كالمريض الذي يطبب جسمه عند طبيبين في وقت واحد فيقع في الحيرة والتردد ولا يتم له علاج لا بهذا ولا بذاك .
5- يجب على المُريد ان يعتقد في شيخه الكمال وذلك بأنه يعتقد فيه انه اعلم منه بالطريق والشريعة والحقيقة ولكن لا يبالغ في كماله بحيث يرفعه الي مقام العصمة اذ ان العصمة من الله تعالى للأنبياء بل يعتقد انه محفوظ وموفق من الله .
6- أن يكون صادقاً في خدمة شيخه منزهاً طلبه عن كل الأغراض والمقاصد وهذا في جميع شأنه لكمال الوصول فالغرض نافٍ للصدق ومن الغرض أن يتصل بشيخه طمعاً في منزلة أو جاه.
7- يجب على المُريد أن لا يفعل مع شيخه ما يغضبه وما يوحش قلبه منه فان الله تعالى قد يغضب لغضب الشيخ ويرضى لرضاه لأنه قد يكون اعظم حرمه من والد الجسد وايضاح ذلك ان الشيخ لا يأمر المريد الا بما امر الله تعالى فمن خالفه خالف الشارع صلَّ الله عليه واله وصحبه وسلم .
8- أن يعظم شيخه ويحفظ حرمته حاضراً وغائباً. قال سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره: "من وقع في عرض ولي ابتلاه الله بموت القلب".
9- أن يحب شيخه محبة فائقة شريطة أن لا ينقص من قدر بقية الشيوخ، وأن لا يصل غلوه في المحبة إلى حدٌّ فاسد ؛ بأن يُخرج شيخه عن طور البشرية، وإنما تقوى محبة المريد لشيخه بموافقته له أمراً ونهياً، ومعرفتِهِ لله تعالى في سيره وسلوكه، فالمريد كلما كبرت شخصيته بالموافقة ازدادت معرفته، وكلما ازدادت معرفته ازدادت محبته.
10- وأعز أدب المريد مع الشيخ هو أن لا يتمنى منزلة فوق منزلة شيخه وأن يحب لشيخه كل منزلة عالية وكل عزيز المنح والمواهب فذلك هو أدب الإرادة وهو عزيز بين المُريدين قال سيدنا السري السقطي رحمه الله: "الأدب ترجمان العقل".
11- أن لا يفعل شيئاً بدون إذن الشيخ بتاتاً من أوراد أو نوافل أو أي شيء آخر من أفعال المُريدين أو التصدر للكلام إلى الناس وتعليمهم حتى لو كان عالماً ظناً منه أنه يحسن التصرف فلا يكون تصرف المُريد إلا بإذن شيخه البتة فما الإذن إلا مدد.
12- أن يلتزم السكينة والوقار في مجلسه, وأن لا يبادر إلى الكلام بحضرة شيخه إلا إذا أمره الشيخ ووجد فسحة في ذلك وأن لا يحدث شيخه إلا بمنقول الكلام وأن يكون متطلعاً إلى الاستماع لا إلى الكلام ولا يحدث بما يُحدث العجب عند الشيخ أو الحاضرين.
13- أن يبادر إلى خدمته بقدر الامكان، فمن خَدمَ خُدِم. ويكون ذلك بالنفس و المال فلا يبخل بهما على شيخه أبداً وأن لا يعز على شيخه مالاً أو جهداً، قيل لأبـي منصور المغربـي: كم صحبت أبا عثمان؟ – شيخه – قال خدمته لا صحبته، فالصحبة مع الإخوان والأقران، ومع المشايخ الخدمة.
14- يجب على المُريد اذا امره الشيخ بخدمة اخوانه ان يخلص نيته في ذلك ويصبر علي جفاهم له مع شدة خدمته لهم وعدم حمدهم له وينبغي ان يعتذر لهم ويقيم لهم العذر على نفسه ويقول انا الظالم الذي لم يعمل على مرادكم حتى جفوتموني.
15- يجب على المُريد أن لا يتكدر مما يكلفه به شيخه ومن شأنه اذا اقامه شيخه في خدمه او سفراً او حضر دون ان يحضر مجالس الذكر ان لا يتكدر مما يكلفه به شيخه انما يستعمله فيما يراه خيرا له من سائر الوجوه .
16- أن يزوره بقدر المستطاع، فالانقطاع يحرم التعلم، ويطبع الجفاء في القلب، ويورث الغفلة والغفلة تقطع الطريق.
17- يجب على المُريد إن زار شيخه ان يدخل عليه بالحشمة والحرمة وان أهله الشيخ لشيء من الخدمة عد ذلك من جزيل الشكر وان يحذر من ان ميزان عقله الجائر على من يدخله عليه من الاشياء فربما مقته الشيخ فلا يفلح بعدها ابدا .
18- الصبر على مواقفه التربوية كجفوته وإعراضه، التي يقصد بها تخليص المُريد من رعوناته النفسية.
19- أن لا ينقل للناس من كلام الشيخ إلا بقدر أفهامهم وعقولهم حتى لا يسيء إلى نفسه وإلى شيخه ومن ذلك كثرة ذكر لكرامات الشيخ بدون تمكن في العلم أو إذن من الشيخ.
20- وعلى المُريد أن يتجنب أن  يَقطع كلام شيخه حتى يتم كلامه ، ولا يستعجل إفهامه، ولا يقوم أمامه، ولا يعطل أحكامه، ولا يقوم مقامه ولا  يتكلم المُريد في الطريقة او التربية الصوفية ولافي علوم الطريقة الا بأذن من شيخه في حضرته او في غيبته وان يحفظ حرمته.

21- وعلى المُريد أن لا يمشي امام شيخه أو مساوياً له ويحاول ان يتأخر عنه ولو بقدر قدم ،لأن الشيخ امام والمُريد مأموم فينبغي ان يراعي الادب في كل احواله .
22- أن يتجنب أن يجلس عن يمين ويسار شيخه وان يحاول أن يجلس امام شيخه كجلوس الطالب امام المدرس وجه الى وجهه وقلبه الى قلبه وان كان المجلس كبير ولم يجد مكان عليه الجلوس وراء الناس مقابلاً لشيخه مطرقاً بأدب .
23- وعلى المُريد أن يتجنب ان يجلس كجلسة العوام امام شيخه بل يجلس كجلسة المملوك مع الملك ويكون في ارقى حالات التوقير والأدب ولا ينبغي ان يلتفت يميناً وشمالاً ما دام امام شيخه في مجلس الذكر والمُذاكرة كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يجلسون مع حضرة النبي محمد صلَّ الله عليه وسلم في مجلسه .
24- على المُريد ان يتجنب الإكثار من شكوى حوائجه الدنيوية الى الشيخ فإن عُسر شيء عليه فعليه الصبر والدعاء ولا يظهر ذلك ، لأن دخوله بحضرة الشيخ كان بنية الآخرة لا بنية الدنيا ، وحينئذ فلا يطلب خلاف ما قصد ، فإن ذلك من سوء الأدب .
25- اذا جلس المريد في مجلس شيخه فعليه ان يدخل عليه بأدب واحترام وينظر اليه بوقار ثم الانتباه لكل ما يقوله شيخه ويلتفت الى ارشاده وتعليماته حاضر القلب معه بلا شطح او غفلة .
26- الانقياد التام بما يأمره شيخه من التأديب والالتزام التام بخدمة شيخه خدمة صادقة وحبه محبة خالصة كاملة صحيحة في حب الله تعالى وان تكون بينهما رابطة قوية مبنية على الحب الصادق وقد قيل –  من اشتغل بمحبة شيخه ترقى الى محبه الله تعالى .
27- يجب على المريد توقير شيخه واجلاله واحترامه ولا يعلو صوته عليه ولا يسابقه في الحديث  وأن لا يطيل النظر الى شيخه او يكثر منه أجلاً له وأدباً مع شيخه .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .

اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق و الهادي إلى صراطك المستقيم و على اله حق قدره و مقداره العظيم ...



1 التعليقات:

بارك الله فيكم على هذا الايجازالرائع في تعامل واداب المريد مهع
شيخه وقليل من يعلم هذا وفقنا الله تعالى لما فيه الخير والفلاح وجزاكم الله عنا خيرا

إرسال تعليق