بيان آداب الذكر المُنفرد
=============================
وينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبل القِبلة متذللاً متخشعاً بسكينة ووقار، مطرقاً برأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، ولكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل. وينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر فيه خالياً نظيفاً، فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مُدح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة. وينبغي أن يكون فمُه نظيفاً، وإن كان به تغيُّرٌ أزاله بالسواك .
إذا كانت هذه النظافة الحسية قد نُدبنا إليها فإن نظافة
القلب الذي هو محل نظر الرب تبارك وتعالى أولى بالاعتبار، فلا بد من تنقيته من
أدرانه؛ كالحقد والكبر، والبخل والرياء، والعلائق الدنيوية والأغيار والشواغل، حتى
يتأهل لمجالسة الحق فلا يزال في الفيض الأقدس مقيماً.
والذكر محبوب في جميع الأحوال، والمراد من الذكر حضور
القلب، فينبغي أن يلاحظ الذاكر ذلك ويتدبر معاني ما يذكر.
فإن كان يستغفر فعليه أن يلاحظ بقلبه طلب المغفرة والعفو
من الله تعالى، وإن كان يصلي على النبي صلَّ الله عليه واله وصحبه وسلم فعليه أن
يستحضر عظمة رسول الله صلَّ الله عليه واله وصحبه وسلم بقلبه، وإن كان يذكر بالنفي
والإثبات وهو “لا إله إلا الله” فعليه أن ينفي كل شاغل يشغله عن الله تعالى. وعلى
كلٌّ لا يَترك الذكر باللسان لعدم حضور القلب، بل يذكر الله بلسانه ولو كان غافلاً
بقلبه؛ لأن غفلة الإنسان عن الذكر إعراض عن الله بالكلية، وفي وجود الذكر إقبال
بوجهٍ ما، وفي شغل اللسان بذكر الله تزيين له بطاعة الله، وفي فقده تعرضٌ لاشتغاله
بأنواع المعاصي القولية كالغيبة والنميمة وغيرها .
يقول ابن عطاء الله السكندري: (لا تترك الذكر لعدم حضور
قلبك مع الله تعالى فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره، أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى
أن يرفعك [الله] من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة
إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غَيْبَةٍ عما سوى
المذكور، وما ذلك على الله بعزيز) [“إيقاظ الهمم في شرح الحكم” لابن عجيبة
ج1/ص79].
فعلى الإنسان ملازمة الذكر باللسان حتى يفتح القلب،
وينتقل الذكر إليه، فيكون من أهل الحضور مع الله تعالى.
اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما
سبق ناصر الحق بالحق و الهادي إلى صراطك المستقيم و على اله حق قدره و مقداره
العظيم ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق